فصل: الشاهد الثامن عشر بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.دولة باديس بن المنصور.

ولما هلك المنصور قام بأمره ابنه باديس وعقد لعمه يطوفت على تاهرت وسرح عساكره لحرب زناتة مع عميه يطوفت وحماد فولوا منهزمين أمام زناتة إلى أشير.
ونهض بنفسه سنة تسع وثمانين وثلثمائة لحرب زيري بن عطية راجعا إلى المغرب فولى باديس أخاه يطوفت على تاهرت وأشير وخالف عليه عمومته ماكسن وزاوي وحلال ومعتز وعزم واستباحوا عسكر يطوفت وأفلت منهم ووصل أبو البهار متبرئا من شأنهم وشغل السلطان باديس بحرب فلفول بن سعيد كما نذكره في أخبار بني خزرون وسرح عمه حمادا لحرب بني زيري إخوته ووصل بنو زيري أيديهم بفلفول ثم رجعوا إلى حماد فهزمهم وتقبض على ماكسن منهم فأطمة الكلاب وقتل أولاد الحسن وباديس كذا ذكر ابن حزم.
ونجا فلهم إلى جبل سنوه فنازلهم حماد أياما وعقد هلم السلم على الإجازة إلى الأندلس فلحقوا بابن عامر سنة إحدى وتسعين وثلثمائة.
وهلك زيري بن عطية المغراوي لتسع أيام من مهلك ماكسن وأقفل باديس عمه حمادا على حضرته ليستعين به في حروف فلفول فاضطرب المغرب لقفوله وأظهرت زناتة الفساد وأضروا بالسابلة وحاصروا المسيلة وأشير فسرح إليهم باديس عمه حمادا وخرج على أثره سنة خمس وتسعين وثلثمائة فنزل تيجست ودوخ حماد المغرب وأثخن في زناتة واختط مدينة القلعة ثم طلب منه باديس أن ينزل على عمل تيجست وقسنطينة اختبارا للطاغية فأبى وأظهر الخلاف وبعث إليه أخاه إبراهيم فأقام معه وزحف إليهم باديس ثم رحل في طلبه إلى شلف ونزل إليه بعض العساكر ودخل في طاعته بنو توجين وحازوا في مدده ووصل أميرهم عطية بن دافلين وبدر بن أغمان بن المعتز فوصلها وكان حماد قتل دافلين ثم نزل باديس نهر واصل والسرسو وكزول وانثنى حماد راجعا إلى القلعة واتبعه باديس ونازله بها وهلك بمعسكره عليها سنة ست وأربعمائة فجأة وهو نائم بين أصحابه بمضربه فارتحلوا راجعين واحتملوا باديس على أعواده.

.دولة المعز بن باديس.

ولما بلغ الخبر بمهلك باديس بويع ابنه المعز ابن ثمان سنين ووصل العسكر فبايعوه البيعة العامة ودخل حماد المسيلة وأشير واستعد للحرب وحاصر باعانة وبلغ الخبر بذلك فزحف المعز إليه وأفرج عن باعانة ولقيه ولقيه فانهزمك حماد وأسلم معسكره وتقبض على أخيه إبراهيم ونجا إلى القلعة ورغب في الصلح فاستجيب على أن يبعث ولده.
وانتهى المعز إلى سطيف وقصر الطين وقفل إلى حضرته ووصل إليه القائد بن حماد بعمل المسيلة وطبنة والزاب وأشير وتاهرت وما يفتح من بلاد المغرب وعقد للقائد ابن حماد على طبنة والمسيلة مقره ومرسى الدجاج وسوق حمزة وزواوة وانقلب بهدية ضخمة ورفعت الحرب أوزارها من يومئذ واقتسموا المظلة والتحموا بالأصهار وافترق ملك صنهاجة إلى دولتين: دولة إلى المنصور بن بلكين أصحاب القيروان ودولة إلى حماد بن بلكين أصحاب القلعة.
ونهض المعز إلى حماد سنة اثنتين وثلاثين فحاصره بالقلعة مدة سنين ثم أقلع عنها وانكفأ راجعا ولم يعاود فتنة بعد ووصل زاوي بن زيري من الأندلس سنة عشر وأربعمائة كما ذكرناه في خبره فتلقاه المعز أعظم لقاء وسلم عليه راجلا وفرشت القصور لنزله ووصله بأعظم الصلات وأرفعها واستمر ملك المعز بأفريقية والقيروان وكان أضخم ملك عرف للبربر بأفريقية وأترفه وأبذخه نقل ابن الرقيق من أحوالهم في الولائم والهدايا والجنائز والأعطيات ما يشهد بذلك مثل ما ذكر أن هدية صندل عامل باعانة مائة حمل من المال وأن بعض توابيت الكبراء منهم كان العود الهندي بمسامير الذهب وأن باديس أعطى فلفول بن مسعود الزناتي ثلاثين حملا من المال وثمانين تختا وأن أعشار بعض أعمال الساحل بناحية صفاقس كان خمسين ألف قفيز وغير ذلك من أخبارهم.
وكانت بينه وبين زناتة حروب ووقائع كان له الغلب في جميعها كما هو مذكور وكان المعز منحرفا عن مذاهب الرافضة ومنتحلا للسنة فأعلن بمذهبه لأول ولايته ولعن الرافضة ثم صار إلى قتل من وجد منهم وكبا به فرسه ذات يوم فنادى مستغيثا باسم أبي بكر وعمر فسمعه العامة فثاروا لحينهم بالشيعة وقتلوهم أبرح قتل وقتل دعاة الرافضة يومئذ وامتعض لذلك خلفاء الشيعة بالقاهرة.
وخاطبه وزيرهم أبو القاسم الجرجاني محذرا وهو يراجعه بالتعريض لخلفائه والمزج فيهم حتى أظلم الجو بينه وبينهم إلى أن انقطع الدعاء لهم سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر من خلفائهم وأحرق بنوده ومحا اسمه من الطرز والسكة ودعا للقائم بن القادر من خلفاء بغداد وجاءه خطاب القائم وكتاب عهده صحبة داعيته أبي الفضل بن عبد الواحد التميمي فرماه المستنصر خليفة العبيديين بالمغرب من هلال الذين كانوا مع القرامطة وهم رياح وزغبة والأثبج وذلك بمشاركة من وزيره أبي محمد الحسن بن علي البازوري كما ذكرنا في أخبار العرب ودخولهم إلى أفريقية وتقدموا إلى البلاد وأفسدوا السابلة والقرى وسرح إليهم المعز جيوشه فهزموهم فنهض إليهم ولقيهم بجبل حيدران فهزموه واعتصم بالقيروان فحاصروه وتمرسوا به وطال عيثهم في البلاد وإضرارهم بالرعايا إلى أن خربت أفريقية وخرج ابن المعز من القيروان سنة تسع وأربعين وأربعمائة مع خفيره منهم وهو مؤنس بن يحيى الصبري أمير رياح فلحق في خفارته بالمهدية بعد أن أصهر إليه في ابنته فأنكحه إياها ونزل بالمهدية وقد كان قدم إليها ابنه تميما فنزل عليه ودخل العرب القيروان وانتهبوها.
وأقام المعز بالمهدية وانتزى الثوار في البلاد فغلب حمد بن مليل البرغواطي على مدينة صفاقس وملكها سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وخالفت سوسة وصار أهلها إلى الشورى في أمرهم وصارت تونس آخرا إلى ولاية الناصر بن علناس بن حماد صاحب القلعة وولى عليهم عبد الحق بن خراسان فاستبد بها واستقرت في ملكه وملك بنيه وتغلب موسى بن يحيى على قابس وصار عاملها المعز بن محمد الصنهاجي إلى ولايته وأخوه إبراهيم من بعده كما يأتي ذكره والثالث ملك آل باديس وانقسم في الثوار كما نذكر في أخبارهم بعد مهلك المعز سنة أربع وخمسين وأربعمائة والله أعلم.